باراك يحذر- الانقسام الداخلي يهدد "إسرائيل" أكثر من الأعداء الخارجيين

المؤلف: محمود عبد الهادي08.17.2025
باراك يحذر- الانقسام الداخلي يهدد "إسرائيل" أكثر من الأعداء الخارجيين
تحل الذكرى الرابعة والسبعون لنكبة فلسطين هذا العام، وسط أجواء مشحونة بالترقب، حيث يتطلع الفلسطينيون بشغف كبير إلى اليوم الذي يرون فيه زوال الكيان الصهيوني الغاصب عن أرضهم المقدسة، تحقيقًا لنبوءات متعددة، وعلى رأسها نبوءة الشيخ بسام جرار التي أطلقها قبل ثلاثة عقود، والتي فصّلها في كتابه الشهير "زوال إسرائيل 2022.. نبوءة أم صدف رقمية؟" الصادر عام 1995، وأعقبها بكتب أخرى ومحاضرات قيمة على منصة يوتيوب، حصدت ملايين المشاهدات. شريحة واسعة من أبناء الشعب الفلسطيني، بمن فيهم المثقفون والسياسيون وعامة الناس، يؤمنون بأن هذا الأمر ليس بعيد المنال، وأن التطورات المتسارعة التي تشهدها فلسطين والمنطقة العربية والعالم، تنبئ بحدث جلل يلوح في الأفق، ستكون له تداعيات وخيمة على دولة الكيان الصهيوني، التي ستنهار بوتيرة متسارعة، لتصبح بعد ذلك أثراً بعد عين في غضون أشهر قليلة أو سنوات معدودة على أبعد تقدير.
استحضر باراك التاريخ اليهودي العريق، ليس ليزف للشعب اليهودي نبوءة الفناء والهلاك، بل ليحثهم على رص الصفوف وتجاوز الخلافات العميقة، ويحذرهم من مغبة ما قد يحل بهم في المستقبل القريب، إذا استمروا على نهجهم الحالي من انقسامات سياسية ودينية وفكرية حادة، وهو ذات الفخ الذي وقع فيه الشعب الفلسطيني والعربي منذ النكبة المشؤومة وحتى يومنا هذا.
وقد ازداد الأمل وتوهج في قلوب الفلسطينيين ومناصريهم من العرب والمسلمين، بعد الانتشار الواسع لمقتطفات من تصريحات رئيس الوزراء الصهيوني الأسبق إيهود باراك، والتي تحدث فيها قبل بضعة أسابيع عن "لعنة العقد الثامن" في التاريخ اليهودي، مشيرًا إلى أن اليهود لم يتمكنوا عبر التاريخ من إقامة دولة لأكثر من ثمانية عقود، معربًا عن تخوفه من تكرار هذا السيناريو لدولة "إسرائيل"، التي تحتفل بإتمام عقدها الثامن في عام 2028، وهو العام الذي يلي الموعد الذي حدده الشيخ أحمد ياسين -رحمه الله- لزوال دولة "إسرائيل" في عام 2027.

ما لم نتمعن به في حديث إيهود باراك عن لعنة العقد الثامن

في ظل الحالة العاطفية الجياشة التي يعيشها الفلسطينيون والعرب والمسلمون تجاه الكيان الصهيوني الغاصب، فإن ما استرعى انتباههم في حديث باراك، وتناقله الناس على نطاق واسع، هو حديثه عن "لعنة العقد الثامن"، لكنهم لم يكملوا القراءة ليدركوا أن باراك لم يكشف عن نبوءة حول قرب زوال إسرائيل، تعزز "نبوءة" الشيخ جرار وغيره، كما يحلو للبعض تسميتها. ما قاله باراك ليس سوى استقراء دقيق لتاريخ اليهود، ساقه ليذكر الشعب اليهودي بعواقب الفرقة والتنازع، ويدعوهم إلى الوحدة والتكاتف في مواجهة التchallenges الداخلية المتفاقمة، التي باتت تهدد دولة الكيان الصهيوني منذ سنوات طويلة. جاء حديث باراك في مقالين متتاليين نشرا في جريدة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية في يومي الرابع والثامن من شهر مايو/أيار الجاري 2022، بمناسبة الذكرى الرابعة والسبعين لما يسمونه "عيد الاستقلال". في مقاله الأول، قدم باراك استقراءً شاملاً لتاريخ الممالك اليهودية والخلافات الحادة التي عصفت بتلك الممالك، محذرًا من تكرار هذا السيناريو قبل أن تتمكن دولة "إسرائيل" من إكمال عقدها الثامن، وذلك بسبب الخلافات والانشقاقات العميقة التي تشهدها حاليًا، والتي تفوق في خطورتها التهديدات الخارجية.
لا يمكن "للإرهاب" أن يقضي علينا، ولا الفلسطينيين ولا حزب الله ولا إيران حتى لو كانت تمتلك أسلحة نووية، لكن التاريخ يثبت أن أخطر عدو هو الانقسام الداخلي وتنامي الكراهية بين اليهود أنفسهم، والتحريض والتعصب والطائفية التي تزداد سوءا عاما بعد عام.
وفي مطلع مقاله الثاني، لخص باراك حديثه قائلاً: "لا يمكن (للإرهاب) أن يقضي علينا، ولا الفلسطينيين ولا حزب الله ولا إيران حتى لو كانت تمتلك أسلحة نووية، لكن التاريخ يثبت أن أخطر عدو هو الانقسام الداخلي وتنامي الكراهية بين اليهود أنفسهم، والتحريض والتعصب والطائفية التي تزداد سوءا عاما بعد عام، فالأمم التي لم تستطع أن تتحد في لحظات الاختبار اختفت من منصة التاريخ". تطرق باراك إلى التهديدات التي تمثلها حماس وحزب الله وإيران، وإلى المشروع النووي الإيراني، داعيًا قادة "إسرائيل" إلى التصدي لها بحكمة وعزم، ومطالبًا برفع الحصانة عن زعيم حركة حماس في غزة يحيى السنوار وغيره من قادة الحركة، ومطالبًا باستكمال جدار الفصل العنصري وتشغيله وتجهيزه بوسائل الإنذار ونشر قوات للرد على طوله، حتى لو تطلب الأمر إنشاء خمس عشرة سرية أخرى لدوريات الحدود، ومؤكدًا على ضرورة أن يعمل جهاز الشاباك بحزم لصد الهجمات "الإرهابية" التي يقوم بها الفلسطينيون هذه الأيام. وأضاف: "(إسرائيل) أقوى من كل تجمع من الأعداء، عسكريا وإستراتيجيا وتكنولوجيا واقتصاديا، يجب أن نعمل لتحقيق أهدافنا من موقع القوة والثقة بالنفس، لا مكان لتخويف أنفسنا ومواطنينا". وفيما يتعلق بتهديد المشروع النووي الإيراني، قدم باراك وجهة نظر جديدة تقلل من خطورة هذا المشروع على دولة "إسرائيل"، حيث قال: "إن التهديد الإيراني في هذه المرحلة أيضا وفي المستقبل المنظور لا يشكل تهديدا وجوديا على (إسرائيل)، وفي الواقع ينبع الخطر المباشر أكثر من احتمال أن يؤدي تقدم إيران إلى دفع المزيد من اللاعبين في المنطقة إلى السعي للحصول على أسلحتهم الخاصة، وهذا تعقيد آخر على المدى الطويل".

الخطر الأكبر الذي يهدد دولة إسرائيل

ما يهمنا أكثر في هذا المقال هو حديث باراك عن الخطر الداخلي، الذي دفعه للحديث عنه في المقال الأول من خلال الإشارة إلى "لعنة العقد الثامن"، حيث أوضح قصده قائلاً: "فترتا الدمار (التاريخيتان) لم تتم كتابتهما مسبقا في السماء، لقد كانتا نتيجة أمراض طائفية شديدة وكراهية أخوية، إلى جانب التعصب الأعمى لمن احتكر معرفة إرادة الله وأراد تطبيقها الفعلي، الأمم التي لم تعرف مرارا كيف تتحد في لحظات الاختبار اختفت من على منصة التاريخ". وفسر ذلك بقوله: "إن هناك تهديدا واحدا فقط لـ"إسرائيل" اليوم، والذي في ضوء تجربتنا التاريخية جوهره وأهميته قد يجعلانه تهديدا وجوديا، وهذا التهديد هو الأزمة الداخلية والانقسام الداخلي وتنامي الكراهية بين اليهود أنفسهم، تحريض وتعصب وانقسامات لا يمكن تركها تتفاقم من سنة إلى أخرى". ونقل عن رئيس أحد أجهزة الاستخبارات السابقين قوله بأنهم يشعرون أنهم في طريقهم إلى حرب أهلية، واختتم مقاله بالقول: "تقع على عاتقنا مسؤولية تكاتف الجميع، حتى مع أولئك الذين يفكرون بشكل مختلف عنا، من أجل النضال المشترك ضد آفة الانقسام والتحريض والقمع والتعصب الأعمى التي أصابتنا بالفعل بشدة في الماضي والانطلاق من هنا معا إلى آفاق جديدة، القرار يرجع إلينا، وهذا هو اختبارنا الرئيسي في بداية السنة الـ75 لاستقلال (إسرائيل)". لقد استدعى إيهود باراك التاريخ اليهودي العريق ليحث اليهود على محاربة الانقسام والتعصب الأعمى، وتوحيد الصف الداخلي لمواجهة التحديات الخارجية المتزايدة، لا ليقول لهم إن زمانكم قد ولى، ولم يبق لكم سوى أيام أو شهور معدودة لحزم حقائبكم والرحيل عن فلسطين، وأخذ أولادكم إلى حيث أتيتم، كما أحب الفلسطينيون والعرب والمسلمون أن يفهموا. إيهود باراك -الذي ناهز الثمانين عامًا- هو زعيم صهيوني مخضرم، وشخصية سياسية وعسكرية قيادية مرموقة، تقلد مناصب وزارية رفيعة، وعضوية في الكنيست، ورئاسة حزب العمل لمدة أربع سنوات، ووزارة الدفاع لمدة ثماني سنوات، لقد استدعى التاريخ اليهودي ليس ليزف للشعب اليهودي نبوءة الفناء والهلاك، وإنما ليحذرهم من مغبة ما قد يحل بهم في المستقبل القريب، إذا استمروا على نهجهم الحالي من تباينات سياسية ودينية وفكرية حادة، وهو ذات الفخ الذي وقع فيه الشعب الفلسطيني والعربي منذ النكبة المشؤومة وحتى يومنا هذا. وربما كان الأجدر بالشعب الفلسطيني وقادته أن يستفيدوا من حديث باراك أكثر من الشعب اليهودي، وأن يستلهموا منه الدروس والعبر، وأن يستشرفوا ملامح المرحلة القادمة لدولة "إسرائيل"، مرحلة تعزيز القوة والهيمنة الصهيونية في فلسطين والمنطقة، ليحققوا وعد الآباء والأجداد، لا نبوءة الشيخ جرار ولا الشيخ ياسين، فالأمم التي لم تستطع أن تتحد في لحظات الاختبار اختفت من منصة التاريخ كما قال باراك.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة